نقول: إنها باقية كما أُنزلت من كل وجه كالقرآن. فنقول وبالله التوفيق:
إن علماء اليهود وأحبارهم لا يعتقدون أن هذه التوراة التي بأيديهم هي التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران بعينها، لأن موسى عليه السلام صان التوراة عن بني إسرائيل خوفًا من اختلافهم من بعده في تأويلها، المؤدّي إلى تفرُّقهم أحزابًا، وإنما سَلّمها إلى عشيرته أولاد لاوي.
ودليل ذلك قوله في التوراة:«وكتبَ موسى هذه التوراة ودَفَعها إلى الأئمة من بني لاوي».
وكان بنو هارون قضاةَ اليهود وحكّامهم، لأن الإمامة وخِدمَة القرابين وبيت المقدس كانت موقوفة عليهم، ولم يَبذلُ موسى عليه السلام من التوراة لبني إسرائيل إلا نصف سورةٍ، وهي التي قال فيها:«وكتبَ موسى هذه السورة وعلّمها بني إسرائيل».
هذا نصّ التوراة عندهم.
قال:«وتكون لي هذه السورة شاهدةً على بني إسرائيل».
وفيها: قال الله تعالى: «إن هذه السورة لا تُنْسَى من أفواه أولادهم».
وهذه السورة مشتملةٌ على ذمّ طبائعهم، وأنهم سيخالفون شرائعَ التوراة، وأن السخط يأتيهم بعد ذلك، وتُخَرّبُ ديارهم، ويُسْبَوْنَ في البلاد، فهذه السورةُ تكون متداولة في أفواههم، كالشاهد عليهم، الموقفِ لهم على صحةِ ما قيل لهم.
فما نصّت التوراة أن هذه السورة لا تُنْسَى من أفواه أولادهم دَلّ ذلك على أن غيرها من السور ليس كذلك، وأنه يجوز أن يُنْسَى من أفواههم.