وسط قبة البيت إلى رأس الفتيلة التي في القنديل، ويدهنونه بدهن اللبان، والبيتُ مظلمٌ، بحيث لا يدرك الناظرون الخيط النحاس، وقد عظّموا ذلك البيت، فلا يمكِّنون كلَّ أحد من دخوله، وفي رأس القبة رجلٌ، فإذا قدّسوا ودَعَوْا ألقى على ذلك الخيط شيئًا من نار النّفْط، فتجري النار مع دهن اللبان إلى آخر الخيط النحاس، فتَلْقَى الفتيلة، فتعلَّقُ بها.
فلو نصح أحدٌ منهم نفسه، وفتش على نجاته، لتتبَّع هذا القدر، وطلب الخيط النحاس، وفتش رأس القبة ليرى الرجُل والنفط، ويرى أن منبع ذلك النور من ذلك الممخرِق الملبّس، وأنه لو نزل من السماء لظهرَ من فوق ولم يكن ظهوره من الفتيلة.
ومن حِيلهم أيضًا: أنه قد كان بأرض الروم في زمن المتوكّل كنيسةٌ، إذا كان يوم عيدها يحجّ الناس إليها، ويجتمعون عند صنم فيها، فيشاهدون ثَدْيَ ذلك الصنم في ذلك اليوم يخرجُ منه اللبن، وكان يجتمع للسادِن في ذلك اليوم مالٌ عظيم، فبحث الملك عنها، فانكشف له أمرها، فوجد القَيّم قد ثَقب من وراء الحائط ثُقبًا إلى ثدي الصنم، وجعل فيها أنبوبةً من رَصاصٍ، وأصلحها بالجير ليَخْفَى أمرها، فإذا كان يومُ العيد فتحها وصبّ فيها اللبن، فيجري إلى الثدي، فيقطر منه، فيعتقد الجهال أن هذا سرٌّ في الصنم، وأنه علامة من الله تعالى لقبول قُربانهم، وتعظيمهم له، فلما انكشف له ذلك أمر بضرب عنق السادِن، ومحو الصور من الكنائس، وقال: إن هذه الصور مقام الأصنام، فمن سجد للصورة فهو كمن سجد للأصنام.
ولقد كان من الواجب على ملوك الإسلام أن يمنعوا هؤلاء من هذا وأمثاله لما فيه من الإعانة على الكفر، وتعظيم شعائره، فالمساعد على ذلك