أما افتراقهما بالحقيقة، فما ذكره من أن الطلاق حَلٌّ وفسخ، واليمين عقد والتزام، فهما إذن حقيقتان مختلفتان، قال تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}[المائدة: ٨٩].
ثم أشار إلى الافتراق في الحكم بقوله:«وإذا كانت اليمين عقدًا لم يحصل بها حلّ، إلا أن ينقل من موضع العقد إلى موضع الحلّ، ومن البَيِّن أن الشارع لم ينقلها من العقد إلى الحلّ، فيجب بقاؤها على ما وضعت عليه.
نعم، لو قصد الحالفُ بها إيقاع الطلاق عند الحنثِ فقد استعملها في العقد والحِلّ، فتصيرُ كنايةً في الوقوع، وقد نواه، فيقع به الطلاق؛ لأن هذا العقد صالح للكناية، وقد اقترنت به النية، فيقع الطلاق، أما إذا نوى مُجَرَّد العقد، ولم ينو الطلاق البتة بل هو أكْرَه شيء إليه؛ فلم يأت بما ينقل اليمين من موضوعها الشرعي، ولا نقلها عنها الشارع، فلا يلزمه غير موجب الأيمان».
فليتأمل المُنْصِفُ العالمُ هذا الفرق، ويُخْرِجْ قَلْبَهُ ساعةً من التعصب والتقليد، واتَّباع غير الدليل.
والمقصود أن باب اليمين وباب الإيقاع يختلفان في الحقيقة والقصد واللفظ، فيجب اختلافهما في الحكم:
أما الحقيقة فما تقدم.
وأما القصد فلأن الحالف مقصوده الحض والمنع، والتصديق أو التكذيب، والمطلِّق مقصوده التخلُّص من الزوجة من غير أن يخطر بباله حضّ ولا منع، ولا تصديق ولا تكذيب، فالتسوية بينهما لا يخفى حالها.