الاهتداء، وهو إسماعُ قلوبهم وإفهامُها ما يَنفعها، لعدم قَبول المحلّ، فإنه لا خير فيه، فإن الرجل إنما ينقادُ للحقّ بالخير الذي فيه، والميل إليه، والطلب له، ومحبته، والحرص عليه، والفرح بالظَّفَر به، وهؤلاء ليس في قلوبهم شيءٌ من ذلك، فوصل الهُدَى إليها ووقع عليها، كما يصلُ الغيثُ النازلُ من السماء، ويقعُ على الأرض الغليظة العالية، التي لا تُمسكُ ماءً، ولا تُنبتُ كلًا، فلا هي قابلةٌ للماء ولا للنبات، فالماء في نفسه رحمةٌ وحياةٌ، ولكن ليس فيها قبولٌ له.
ثم أكّد الله هذا المعنى في حَقِّهم بقوله:{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}، أي: فيهم مع عدم القبول والفهم آفةٌ أخرى، وهى الكِبْرُ والإعراضُ وفسادُ القَصْد، فلو فهموا لم ينقادُوا، ولم يَتّبعوا الحق، ولم يعملوا به.
فالهدى في حق هؤلاء هُدى بيانٍ وإقامة حُجّة، لا هدى توفيق وإرشادٍ، فلم يتّصل الهُدَى في حقهم بالرحمة.
وأما المؤمنون فاتّصل الهدى في حَقِّهم بالرحمة، فصار القرآنُ لهم هُدًى ورحمةً، ولأولئك هدًى بلا رحمة.
والرحمةُ المقارنةُ للهدى في حَقِّ المؤمنين: عاجلة وآجلة.
فأما العاجلة فما يعطيهم الله تعالى في الدنيا من محبة الخير والبرّ، وذَوْق طعم الإيمان، ووجدان حلاوته، والفرح والسرور بأن هداهم الله تعالى لما أضلّ عنه غيرهم، ولما اختُلِف فيه من الحقّ بإذنه، فهم يتقلّبون في نور هُداه، ويمشون به في الناس، ويرون غيرهم مُتحيّرًا في الظلمات،