وكان إلهامُ الله تعالى لإخوة يوسف عليه السلام قولهم:{مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ}[يوسف: ٧٥] كيدًا من الله تعالى ليوسف عليه السلام، أجراه على ألسُن إخوته، وذلك خارجٌ عن قدرته، وكان يمكنهم أن يتخلَّصوا من ذلك بأن يقولوا: لا جزاءَ عليه حتى يثبت أنه هو الذي سَرَق، فإن مجرد وجوده في رحله لا يُوجِبُ أن يكون سارقًا، وقد كان يوسف عليه السلام عادلًا لا يأخذهم بغير حجة.
وكان يمكنهم التخلُّص أيضًا بأن يقولوا: جزاؤه أن يُفعل به ما تفعلونه بالسُّرَّاق في دينكم، وقد كان من دين ملك مصر فيما ذُكِرَ: أن السّارق يُضْرَبُ ويُغرّم قيمة المسروق مرتين، فلو قالوا له ذلك لم يمكنه أن يُلزمهم بما لا يُلزِم به غيرهم، فلذلك قال سبحانه:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[يوسف: ٧٦]، أي: ما كان ليمكنه أخذه في دين ملك مصر، لأنه لم يكن في دينه طريق إلى أخذه.
وقوله:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[يوسف: ٧٦] استثناء منقطع، أي: لكن إن شاء الله أخَذَه بطريق آخر.
ويجوز أن يكون متصلًا، والمعنى: إلا أن يُهَيّئ الله سببًا آخر يؤخَذُ به في دين الملك غيرَ السرقة.
وفي هذه القصة تنبيه على الأخذ باللَّوث الظاهر في الحدود، وإن لم تَقُمْ بَيّنة ولم يحصل إقرار، فإن وجود المسروق مع السارق أصدقُ من البينة، فهو بَيّنة لا تلحقها التهمة، وقد اعتبرَتْ شريعتنا ذلك في مواضعَ:
منها: اللَّوْثُ في القَسامة، والصحيح: أنها يُقاد بها، كما دل عليه النص