فلما رأى إمامُ الحنفاء أن الشمس والقمر والكواكب ليست بهذه المثابة، صعد منها إلى فاطرها وخالقها ومبدعها، فقال:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[الأنعام: ٧٩].
وفي ذلك إشارة إلى أنه سبحانه خالق أمكنتها ومَحالِّها، التي هي [١٥٠ أ] مفتقرة إليها، ولا قِوام لها إلا بها، فهي محتاجة إلى محل تقوم به، وفاطر يخلقها ويدبِّرها ويَرُبُّها، والمحتاج المخلوق المربوب المدبَّر لا يكون إلهًا، فحاجّه قومه في الله، ومن حاجّ في عبادة الله فحجَّته داحضة، فقال إبراهيم عليه السلام:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ}؟ وهذا من أحسن الكلام، أي: أتريدون أن تصرفوني عن الإقرار بربي وبتوحيده، وعن عبادته وحده، وتُشكّكوني فيه، وقد أرشدني وبيّن لي الحق، حتى استبان لي كالعيان، وبيّن لي بطلان الشرك وسوء عاقبته، وأن آلهتكم لا تصلح للعبادة، وأن عبادتها توجب لعابديها غاية الضرر في الدنيا والآخرة. فكيف تريدون مني أن أنصرف عن عبادته وتوحيده إلى الشرك به، وقد هداني إلى الحق وسبيل الرشاد؟
فالمحاجَّة والمجادلة إنما فائدتها طلب الرجوع والانتقال من الباطل إلى الحق، ومن الجهل إلى العلم، ومن العمى إلى الإبصار، ومجادلتكم إيّاي في الإله الحق الذي كلّ معبود سواه باطل تتضمن خلاف ذلك!
فخَوَّفوه بآلهتهم أن تصيبه بسوء، كما يخوِّفُ المشركُ الموحدَ بإلهه الذي يَأْلَهُهُ مع الله أن يناله بسوء، فقال الخليل:{وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}، فإن آلهتكم أقلّ وأحقر من أن تَضُرَّ مَنْ كفر بها وجحد عبادتها، ثم رد