للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكاد له بأن أوقفهم بين يديه مَوْقِفَ الذليل الخاضع المُسْتَجْدي، فقالوا: {يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: ٨٨]، فهذا الذل والخضوع له في مقابلة ذلِّه وخضوعه لهم يومَ إلقائه في الجُبّ، وبيعِه بيعَ العبيد.

وكاد له بأن هَيّأ له الأسباب التي سجدوا له هم وأبوه وخالته في مقابلة كيدهم له، حذرًا من وقوع ذلك، فإن الذي حملهم على إلقائه في الجبّ خشيتهم أن يرتفع عليهم حتى يسجدوا له كلهم، فكادوه خشية ذلك، فكاد الله تعالى له حتى وقع ذلك، كما رآه في منامه.

وهذا كما كاد فرعون بني إسرائيل: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص: ٤]، خشية أن يخرج فيهم من يكون زوال ملكه على يديه، فكاده الله سبحانه بأن أخرج له هذا المولود، وربّاه في بيته، وفى حِجْره، حتى وقع به منه ما كان يحذره، كما قيل:

وَإذَا خَشِيتَ مِنَ الأُمُورِ مُقَدَّرًا ... وَفَرَرْتَ مِنْهُ فَنَحْوَهُ تَتَوَجَّهُ (١)

فصل

وكيد الله سبحانه لا يخرج عن نوعين:

أحدهما: أن يفعل سبحانه فعلًا خارجًا عن قدرة العبد الذي كاد له، فيكون الكيدُ قَدَرًا مَحْضًا، ليس من باب الشرع، كما كاد الذين كفروا بأن


(١) البيت لابن الرومي في التمثيل والمحاضرة (ص ١٠١)، والتذكرة الحمدونية (٧/ ٣٣)، ومجموعة المعاني (ص ١١)، ونهاية الأرب (٣/ ٩٥). وليس في ديوانه.