للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والغناء أشد لهوًا، وأعظم ضررًا من أحاديث الملوك وأخبارهم، فإنه رُقْية الزنى، ومُنبِتُ النفاق، وشَرَك الشيطان، وخَمْرة العقل، وصدُّه عن القرآن أعظم من صدِّ غيره من الكلام الباطل؛ لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه.

إذا عُرف هذا فأهل الغناء ومُستمعوه لهم نصيب من هذا الذم، بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن، وإن لم ينالوا جميعه؛ فإن الآيات تضمنت ذمّ من استبدل لهو الحديث بالقرآن؛ ليُضل عن سبيل الله بغير علم [٦٩ أ] ويتخذها هزوًا، وإذا تُلي عليه القرآن ولّى مستكبرًا كأن لم يسمعه (١)، كأن في أذنيه وقرًا، وهو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئًا استهزأ به.

فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرًا، وإن وقع بعضه للمغنين ومُستمعيهم؛ فلهم حصة ونصيب من هذا الذم.

يُوضحه: أنك لا تجد أحدًا عُني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علمًا وعملاً، وفيه رغبةٌ عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحالُ على أن يُسْكِتَ القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغنِّي ويستقصر نوبته، وأقل ما في هذا أن يناله نصيبٌ وافر من هذا الذم، إن لم يُحِطْ به جميعه.

والكلام في هذا مع مَنْ في قلبه بعض حياة يُحِسّ بها، فأما من مات قلبُهُ،


(١) الأصل: «يسمعها».