للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما رأى هارونُ ما وقعوا فيه قال: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: ٩٠، ٩١]! فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يَفْتَتِنْ، وأقام مَن يعبد العجل على عبادة العجل، وتخوف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: ٩٤]، وكان له هائبًا مطيعًا.

فقال تعالى مذكرًا لبني إسرائيل بهذه القصة التي جرت لأسلافهم مع نبيهم: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ} [البقرة: ٥١]، يعني: من بعد ذهابه إلى ربِّه، وليس المراد من بعدِ موته، {وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: ٥١]، أي: بعبادة غير الله تعالى لأن الشّرك أظلم الظلم، لأن المشرك وضع العبادة في غير موضعها.

فلما قَدِمَ موسى عليه السلام، ورأى ما أصابَ قومه من الفتنة، اشتد غضبه، وألقى الألواح عن رأسه، وفيها كلامُ الله الذي كتبه له، وأخذ برأس أخيه ولِحْيَتِهِ، ولم يَعْتبِ الله عليه في ذلك لأنه حمله عليه الغضبُ لله، وكان الله عز وجل قد أعلمه بفتنة قومه، ولكن لما رأى الحال مشاهدةً حدث له غضبٌ آخر فإنه ليس الخبر كالمعاينة.

فصل

ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة في حياة نبيهم أيضًا: ما قصَّه الله تعالى في كتابه حيث يقول: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: ٥٥]، أي عِيانًا.