قالوا: لأن الله سبحانه ملّك الزوج ثلاث تطليقات، وجعل إيقاعها إليه، فإن قلنا بقول الشافعي ومن وافقه: إن جمع الثلاث جائز، فقد فعل ما أُبيح له، فيصح (١). وإن قلنا: جمع الثلاث حرام، وهو طلاق بِدْعِيّ، فالشارع إنما ملكه تفريق الثلاث فُسْحةً له، فإذا جمعها فقد جَمع ما فُسح له في تفريقه، فلزمه حكمه كما لو فرّقه.
قالوا: وهذا كما أنه يملك تفريقَ المطلَّقات وجمعهنّ، فكذلك يملك تفريق الطلاق وجمعه، فهذا قياس الأصول، فلا نُبطله بخبر الواحد.
قال الآخرون: هذا القياس لا يصلح أن يَثْبُتَ به هذا الحكم، لو لم يُعارَض بنص، فَضْلًا عن أن يقدَّم على النص، وهو قياس مخالف لأصول الشرع، ولغة العرب، وسُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمل الصحابة في عهد الصِّدِّيق.
فأما مخالفته لأصول الشرع: فإن الله سبحانه إنما ملَّك المطلِّق بعد الدخول طلاقًا يملك فيه الرجعة، ويكون مخيّرًا فيه بين الإمساك بالمعروف وبين التسريح بالإحسان، ما لم يكن بعِوَضٍ، أو يستوفي فيه العِدَد، والقرآن قد بيّن ذلك كله؛ فبيّن أن الطلاق قبل الدخول تَبِينُ به المرأة، ولا عِدة عليها، وبيّن أن المفتدية تملك نفسها، ولا رجعة لزوجها عليها، وبين أن المطلَّقة الطَّلْقةَ المسبوقة بطلقتين قبلها تَبين منه وتحرم عليه، فلا تَحِلّ له حتى تنكح زوجًا غيره، وبَيّن أن ما عدا ذلك من الطلاق فللزَّوج فيه الرجعة، وهو مخيّر فيه بين الإمساك بالمعروف والتسريح بإحسان.