للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كتاب الله عز وجل قد تضمَّن هذه الأنواع الأربعة وأحكامها، وجعل سبحانه وتعالى أحكامها من لوازمها التي لا تنفكّ عنها، فلا يجوز أن تتغيّر أحكامها البتة، فكما لا يجوز في الطلاق قبل الدخول أن تثبت فيه الرّجعة، وتجب به العِدّة، ولا في الطلقة المسبوقة بطلقتين أن يثبت فيها الرّجعة، وأن تُباح بغير زوجٍ وإصابةٍ، ولا في طلاق الفِدية أن تثبت فيه الرجعة، فكذلك لا يجوز في النوع الآخر من الطلاق أن يتغير حكمه، فيقع على وجهٍ لا تثبت فيه الرجعة؛ فإنه مخالفٌ لحكم الله تعالى الذي حكم به فيه، وهذا صفة لازمة له، فلا يكون على خلافها البتة.

ومن تأمل القرآن وجده لا يحتمل غير ذلك، فما شرع الله سبحانه الطلاق إلا وشرع فيه الرجعة، إلا الطلاق قبل الدخول، وطلاق الخُلع، والطلقةَ الثالثة، فبيننا وبينكم كتاب الله، فإن كان فيه شيء غير هذا فأوجِدُونا إياه.

ومما يوضح ذلك: أن جمهور الفقهاء من الطوائف الثلاثة احتجوا على الشافعي في تجويزه جمع الثلاث بالقرآن، وقالوا: ما شرع الله سبحانه جمعَ الطلاق الثلاث، وما شرع الطلاق بعد الدخول بغير عوض إلا شرع فيه الرجعة؛ ما لم يستوفِ العدد.

واحتجوا عليه بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩]، قالوا: ولا يُعقل في لغة من لغات الأمم المرتان إلا مرة بعد مرة.

فعارضهم بعض أصحابه بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: ٣١]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ يُؤتَوْنَ أجْرَهُم مَرتين» (١).


(١) أخرجه البخاري (٩٧)، ومسلم (١٥٤) عن أبي موسى الأشعري.