للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به (١) صاحبه؛ لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تُؤلِمه جراحات القبائح، ولا يُوجِعه جهله بالحق وعقائده الباطلة؛ فإن القلب إذا كان فيه حياة يألم بورود القبيح عليه، ويألم بجهله بالحق بحسب حياته، و

ما لِجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ (٢)

وقد يشعر بمرضه (٣)، ولكن يشتد عليه تحمُّلُ مرارة الدواء والصبر عليها؛ فيُؤْثِرُ بقاءَ ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه في مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه.

وتارة يُوطِّن نفسه على الصبر، ثم ينفسخ عزمه، ولا يستمر معه؛ لضعف علمه وبصيرته وصبره، كمن دخل في طريق مَخُوفٍ مُفْضٍ إلى غاية الأمن، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن، فهو محتاج إلى قوة صبر، وقوة يقين بما يصير إليه، ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق، ولم يتحمل مشقتها، ولا سيما إن عَدِمَ الرفيقَ، واستوحش من الوحدة، وجعل يقول: أين ذهب الناس؟ فلي بهم أسوة.

وهذه حال أكثر الخلق، وهي التي أهلكتهم؛ فالبصير الصادق لا يستوحش


(١) «به» ساقطة من م.
(٢) صدره: من يَهُنْ يسهلِ الهوانُ عليه.

والبيت للمتنبي في ديوانه (٤/ ٢١٧).
(٣) م: «بما فيه».