وأضرابهم على هؤلاء بما قاله شيخ الطائفة محمد بن عربي: أن الولي أعلى درجة من الرسول، لأنه يأخذ من المَعْدِنِ الذي يأخذ منه المَلَكُ الذي يوحي إلى الرسول، فهو أعلى منه بدرجتين.
فجعل هؤلاء الملاحدة أنفسهم وشيوخهم أعلى في التلقِّي من الرسل بدرجتين، وإخوانُهم من المشركين جعلوا أنفسهم في ذلك التلقِّي بمنزلة الأنبياء، ولم يدّعوا أنهم فوقهم.
والمقصود: أن هؤلاء كفروا بالأصلين اللذين جاءت بهما جميع الرسل والأنبياء، من أولهم إلى آخرهم.
أحدهما: عبادةُ الله وحده لا شريك له، والكفر بما يُعبدُ من دونه من إله.
والثاني: الإيمان برسله، وما جاءوا به من عند الله تصديقًا وإقراراً، وانقيادًا وامتثالًا.
وليس هذا مختصًّا بمشركي الصابئة، كما غلط فيه كثيرٌ من أرباب المقالات، بل هذا مذهب المشركين من سائر الأمم، لكن شرك الصابئة كان من جهة الكواكب العُلْوِيّات، ولذلك ناظرَهُمْ إمام الحنفاء صلوات الله، وسلامه عليه في بُطلان إلهيتها بما حكاه الله سبحانه في سورة الأنعام أحسن مناظرةٍ وأبْيَنَهَا، ظهرت فيها حُجّته، ودَحضَت حجتهم، فقال بعد أن بَيّن بطلان إلهية الكواكب والقمر والشمس بأفُولها، وأن الإله لا يليقُ به أن يغيب ويأفُل، بل لا يكونُ إلا شاهدًا غير غائب، كما لا يكون إلا غالبًا قاهرًا، غير مغلوب ولا مقهور، نافعًا لعابده، يملك لعابده الضّرّ والنفع، فيسمع كلامه، ويرى مكانه، ويَهْدِيه، ويُرْشِدُهُ، ويدفع عنه كل ما يضُرّه ويؤذيه، وذلك ليس إلا الله وحده، فكل معبودٍ سواه باطلٌ.