للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أعلمَ الصحابة باتفاق الصحابة، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلمنا به يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - (١).

فجمع الله له بين سَعة العلم والرحمة. وهكذا الرجل، كلما اتَّسع علمه اتَّسعَتْ رحمته.

وقد وَسِعَ رَبُّنا كلَّ شيء رحمةً وعلمًا، فوسعت رحمته كل شيء، وأحاط بكلِّ شيء علمًا، فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل هو أرحم بالعبد من نفسه، كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه. والعبد لجهله بمصالح نفسه وظلمه لها يسعى فيما يضرّها ويؤلمها، ويَنْقُصُ حظّها من كرامته وثوابه، ويُبعدها من قربه، وهو يَظنّ أنه ينفعها ويُكرمها.

وهذا غاية الجهل والظلم، والإنسان ظلوم جَهول، فكم من مُكرم لنفسه بزعمه وهو لها مُهين، ومُرَفّهٍ لها وهو لها مُتعب، ومعطيها بعض غرضها ولذتها وقد حال بينها وبين جميع لذّاتها، فلا علم له بمصالحها التي هي مصالحها، ولا رحمة عنده لها، فما يبلغ عدوّه منه ما يبلغ هو من نفسه. فقد بخسَها حظَّها، وأضاع حقَّها، وعطَّل مصالحَها، وباع نعيمها الباقي ولذتها الدائمة الكاملة بلذةٍ فانية مَشُوبة بالنغص، إنما هي كأضغاث أحلام، أو كطيفٍ زار في المنام.


(١) أخرجه البخاري (٣٦٥٤)، ومسلم (٢٣٨٢).