للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتقمَ منهم بأنواع العقوبات، وكذلك كانت قصةُ يوسف عليه السلام، فإن يوسف أكثرُ ما قدر عليه أن ألقى الصُّواع في رَحْل أخيه، وأرسل مؤذِّنًا يؤذِّن: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: ٧٠]، فلما أنكروا قال: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٤، ٧٥]، أي: جزاؤه استعبادُ المسروق ماله للسارق: إما مطلقًا، وإما إلى مُدَّةٍ، وهذه كانت شريعة آل يعقوب عليه السلام، حتى قيل: إن مِثْلَ هذا كان مشروعًا في أول الإسلام: أن المَدِين إذا أعسَرَ بالدين اسْترقّه صاحبُ الحق.

وعليه حُمِلَ حديثُ بيع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سُرَّقًا (١).

وقد قيل: بل كان بيعه إيّاه إيجاره (٢) لمن يستعمله، وقضاء دينه بأجرته، وعلى هذا فليس بمنسوخ، [١١٧ أ] وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى: أن المفلِس إذا بقيت عليه ديون، وله صَنعة، أُجْبِر على إجارته نفسه، أو آجَره الحاكم، ووفّى دينه من أجرته.


(١) هو سُرَّق بضمّ أوّله وتشديد الراء المفتوحة وقيل: بتخفيفها، ابن أسد الجهني، وقيل غير ذلك، صحابيّ جليل سكن مصر، قَدِم المدينةَ وأخبر الصحابةَ أنّ ماله سيقدم، فبايعوه فاستهلك أموالهم، فأتوا به إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أنت سُرّق»، وباعه بأربعة أبعرة، ثم أعتقوه. روى خبرَه هذا ابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص ٣٤٧)، والروياني (١٤٨٧)، والطحاوي في شرح المعاني (٥٦٩٢)، وابن عدي في الكامل (٤/ ٢٩٩)، والدارقطني (٣/ ٦٢)، والبيهقي في الكبرى (٦/ ٥٠) وقال: «في إجماع العلماء على خلافه دليلٌ على ضعفه، أو نسخه إن كان ثابتًا»، وصححه الحاكم (٢٣٣٠)، وابن عبد الهادي في التنقيح (٤/ ١٣٠)، وحسنه الألباني في الإرواء (١٤٤٠).
(٢) م: «إعساره». وهو تحريف، والمثبت من باقي النسخ.