للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشبه الأخذُ فيها الأخذَ في الموضعين اللَّذَين أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهما الأخذ؛ لظهور سبب الحق، فلا يُنسب الآخذ إلى الخيانة، ولا يتطرق إليه تهمة، ولتعسُّر الشكوى في ذلك إلى الحاكم، وإثبات الحق والمطالبة به.

والذين جوَّزوه يقولون: إذا أخذ قدر حقِّه من غير زيادةٍ لم يكن ذلك خيانة؛ فإن الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه.

وهذا ضعيف جدًّا؛ فإنه يُبطل فائدة الحديث فإنه قال: «ولا تخن من خانك»، فجعل مقابلته له خيانة، ونهاه عنها، فالحديث نص بعد صحته.

فإن قيل: فهلَّا جعلتموه مستوفيًا لحقّه بنفسه إذ عَجَزَ عن استيفائه بالحاكم، كالمغصوب مالُه، إذا رآه في يد الغاصب، وقَدَر على أخذه منه قهرًا، فهل تقولون: إنه لا يحل له أخذ عين ماله، وهو يشاهده في يد الظالم المعتدي، ولا يحلّ له إخراجه من داره وأرضه؟

وكذلك إذا غصب زوجته، وحال بينه وبينها، وعقد عليها ظاهرًا، بحيث لا يُتَّهم، فهل يحرم على الزوج الأول انتزاع زوجته منه خشيةَ التهمة؟

وهذا لا تقولونه أنتم، ولا أحد من أهل العلم.

ولهذا قال الشافعي (١) وقد ذكر حديث هِنْدٍ (٢): «وإذا دلَّت السنة وإجماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقه لنفسه سرًّا، فقد دل أن ذلك ليس بخيانة. الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه».

فالجواب: أنا نقول: يجوز له أن يستوفي قدر حقِّه، لكن بطريق مباح،


(١) في كتاب الأم (٦/ ٢٧٠).
(٢) تقدم تخريجه.