ولما أخذ دين المسيح عليه السلام في التغيير والفساد، اجتمعت النصارى عدّة مجامع تزيد على ثمانين مَجْمعًا، ثم يتفرقون على الاختلاف والتلاعُن، يلعنُ بعضُهم بعضًا، حتى قال فيهم بعض العقلاء: لو اجتمع عشرة من النصارى، يتكلمون في حقيقة ما هم عليه، لتفرّقوا عن أحد عشر مذهبًا!
حتى جمعهم قُسْطَنْطِين الملكُ آخر ذلك من الجزائر والبلاد وسائر الأقطار؛ فجمع كل بَتْرك [١٥٥ أ] وأسقُفٍّ وعالمٍ، فكانوا ثلاث مئة وثمانية عشر. فقال: أنتم اليوم علماء النصرانية، وأكابر النصارى فاتفِقُوا على أمر تجتمع عليه كلمة النصرانية، ومن خالفها لَعنتموه وحَرَمتموه، فقاموا وقعدوا، وفكّرُوا وقدّروا، واتفقوا على وضع الأمانة التي بأيديهم اليوم، وكان ذلك بمدينة نِيقيَة، سنة خمس عشرة من مُلك قسطنطين (١).
وكان أحد أسباب ذلك أن بِطْريق الإسكندرية منع أرْيوس من دخول الكنيسة ولعنَه، فخرج أريوس إلى قسطنطين الملك مُسْتعديًا عليه، ومعه أسقُفَّان فشكوه إليه، وطلبوا مناظرته بين يدي الملك، فاستحضره الملك، وقال لأريوس: اشرح مقالتك، فقال أريوس: أقول: إن الأب كان إذ لم يكن الابن، ثم أحدثَ الابن، فكان كلمةً له، إلا أنه مُحدَث مخلوق، ثم فوّض الأمر إلى ذلك الابن المسمّى كلمةً، فكان هو خالق السماوات والأرض وما بينهما، كما قال في إنجيله، إذ يقول:«وَهبْ لي سلطانا على السماوات والأرض»، فكان هو الخالق لهما بما أُعطيَ من ذلك، ثم إن تلك الكلمةَ بعدُ اتحدت من مَريم العَذْراء، ومن رُوح القُدُس، فصار ذلك مسيحًا واحدًا،
(١) انظر أخبار هذا المَجمع وغيرها من المجامع العشرة في: تاريخ ابن البطريق (١/ ١٢٠ وما بعدها) والجواب الصحيح (٤/ ٢١٤ وما بعدها) وهداية الحيارى (ص ٣٩٨ ــ ٤٢٥).