فالمسيح الآن معنيان: كلمة وجسد، إلا أنهما جميعًا مخلوقان.
فقال بِطْرِيقُ الإسكندرية حبريا: أيما أوجبُ علينا عندك عبادةُ مَنْ خَلَقَنا، أو عبادةُ مَنْ لم يخلقنا؟
فقال أريوس: بل عبادةُ مَنْ خلقنا.
فقال: فعبادةُ الابن الذي خلقنا وهو مخلوق أوجبُ من عبادة الأب الذي ليس بمخلوق، بل تصيرُ عبادة الأب الخالق كفرًا، وعبادةُ الابن المخلوق إيمانًا.
فاستحسن الملكُ والحاضرون مقالته، وأمرهم الملكُ أن يَلْعنوا أرْيُوسَ وكُلَّ من يقول مقالَته.
فلما انتصر البطريق قال للملك: استحِضر البطارقة والأساقفة، حتى يكون لنا مجمعٌ، ونصنع قِصّة نشرح فيها الدِّين، ونُوضّحه للناس، فحشرَهم قُسطنطين من سائر الآفاق، فاجتمع عنده بعد سنةٍ وشهرين ألفان وثمانية وأربعون أُسْقُفًا، وكانوا مختلفي الآراء، متباينين في أديانهم، فلما اجتمعوا كثر اللَّغَطُ بينهم، وارتفعت الأصوات، وعَظُم الاختلاف، فتعجب الملك من شِدّة اختلافهم، فأجرى عليهم الأنزال، وأمرهم أن يَتناظروا، حتى يعلم الدِّين الصحيح مع مَنْ منهم؟
فطالت المناظرةُ بينهم، فاتّفق منهم ثلاث مئة وثمانية عشر أسقُفًا على رأي واحد، فناظروا بقية الأساقفة، فظهروا عليهم، فَعَقَد الملك لهؤلاء الثلاث مئة والثمانية عشر مجلسًا خاصًّا وجلس في وسطه، وأخذ خاتمه وسيفه وقَضِيبَهُ، فدفعه إليهم، وقال لهم: قد سَلّطتكم على المملكة، فاصنعوا ما بدا لكم مما فيه قِوام دينكم وصلاحُ أمّتكم، فبارَكوا عليه وقلّدُوه سَيْفه، وقالوا له: أظْهِرْ دين النصرانية وذُبَّ عنه، ودفعوا إليه الأمانة التي اتفقوا على