للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمُعْرِض عن التوحيد مشركٌ شاء أم أبى، والمُعْرض عن السنة مبتدع ضالٌّ شاء أم أبى، والمُعْرِض عن محبة الله وذكره عبد الصّورِ شاء أم أبى، والله المستعان، وعليه التُّكْلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فصل

فإن قيل: فما الذي أوقع عُبّاد القبور في الافتتان بها، مع العلم بأن ساكنيها أموات، لا يملكون لهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا [٦١ أ] ولا حياة ولا نشورًا؟

قيل: أوقعهم في ذلك أمور:

منها: الجهل بحقيقة ما بعث اللهُ به رسولَه بل جميعَ الرسل من تحقيق التوحيد، وقَطْع أسباب الشرك، فقلّ نصيبُهم جدًّا من ذلك، ودعاهم الشيطانُ إلى الفتنة، ولم يكن عندهم من العلم ما يُبطل دعوته، فاستجابوا له بحسب ما عندهم من الجهل، وعُصِموا بقدر ما معهم من العلم.

ومنها: أحاديث مكذوبة مُختلَقة، وضعها أشباه عُباد الأصنام من المقابرية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تُناقض دينَه وما جاء به، كحديث: «إذا أعْيَتكُم الأمور فعليكم بأصحاب القبور» (١)، وحديث: «لو أحسَنَ أحدُكم ظنَّه بحجرٍ نفعه» (٢)، وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقِضةٌ لدين الإسلام،


(١) قال ابن تيمية كما في المجموع (١/ ٣٥٦): «هذا الحديث كذب مفترى على النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجماع العارفين بحديثه، لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة»، وقال (١١/ ٢٩٣): «هو كذب باتفاق أهل المعرفة، وإنما هذا وَضعُ مَن فتح باب الشرك».
(٢) قال ابن تيمية كما في المجموع (٢٤/ ٣٣٥): «هذا من المكذوبات التي لم يروها أحد من علماء المسلمين، ولا هو في شيء من كتب الحديث»، وقال (١١/ ٥١٣): «هو من كلام أهل الشرك والبهتان»، وقال ابن القيم في المنار المنيف (٣١٩): «هو من وضع المشركين عباد الأوثان»، وقال ابن حجر ــ كما في المقاصد الحسنة (ص ٥٤٢) ــ والغزي في الجد الحثيث (٣٩١)، والعجلوني في كشف الخفاء (٢٤٦٢)، ومحمد الأمير المالكي في النخبة البهية (٢٦٩): «لا أصل له»، وأورده الفتّني في تذكرة الموضوعات (ص ٢٨)، والقاري في الأسرار المرفوعة (٣٧٦)، والكرمي في الفوائد الموضوعة (١٨٨)، والقاوقجي في اللؤلؤ المرصوع (٤٤٥).