للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن من اقتفى آثارهم كان متسبِّبًا (١) إلى تكثير أجورهم؛ باتباعه لهم، ودعوته الناس إلى اتّباعهم، فإذا أعرض عمَّا دعوا إليه، واشتغل بضدّه، حَرَمَ نفسَه وحَرَمَهم ذلك الأجرَ، فأيّ تعظيم لهم واحترام في هذا؟

وإنما اشتغل كثير من الناس بأنواع من العبادات المُبتدَعَة، التي يكرهها الله ورسوله؛ لإعراضهم عن المشروع أو بعضه، وإن قاموا بصورته الظاهرة فقد هَجروا حقيقته المقصودة منه؛ وإلا فَمَن (٢) أقْبَلَ على الصلوات الخمس بوجهه وقلبه، عارفًا بما اشتملت عليه من الكلِم الطيب والعمل الصالح، مُهتمًّا بها كل الاهتمام، أغْنَتْه عن الشرك، وكلُّ من قَصّر فيها أو في بعضها تجد فيه من الشرك بحسب ذلك.

ومن أصغى إلى كلام الله (٣) بقلبه، وتدبّره وتفهّمه، أغناه عن السّماع الشيطاني الذي يصُدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ويُنبت النفاق في القلب، وكذلك من أصغى إليه وإلى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكلّيته، وحدّث نفسه باقتباس الهدَى والعلم منه لا من غيره، أغناه عن البدع والآراء والتخرّصات والشطَحات والخيالات، التي هي وساوس النفوس وتخيلاتها.

ومن بَعُدَ عن ذلك فلا بدّ له أن يتعوَّض عنه بما لا ينفعه، كما أن من عَمَرَ قلبه بمحبّة الله وذِكْرِه، وخشيته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، أغناه ذلك عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه، وأغناه أيضًا عن عِشْق الصور، وإذا خلا من ذلك صار عبد هواه، أيُّ شيء استحسنه ملكه واستعبده.


(١) الأصل، م، ش: «منتسبا». والمثبت من بقية النسخ.
(٢) الأصل: «فمتى».
(٣) زاد في ح: «ورسوله».