ولمّا عرف (١) بعضهم أن هذا لازم له لا محالة استروح إلى دليل الإجماع، وقال: إنما نفينا النقائص والعيوب عنه بالإجماع، وعندهم أن الإجماع أدلَّته ظنية لا تفيدُ اليقين، فليس عند القوم يقين وقطعٌ بأن الله سبحانه منزَّه عن النقائص والعيوب.
وأهلُ السنة يقولون: إن تنزيهه سبحانه عن العيوب والنقائص واجبٌ لذاته، كما أن إثباتَ صفات الكمال والحمد واجب له لذاته، وهو أظهرُ في العقول، والفِطَر، وجميع الكتب الإلهية، وأقوال الرسل من كل شيء.
ومن العَجَب أن هؤلاء جاءوا إلى ما عُلم بالاضطرار أن الرسل جاءوا به، ووصفوا الله سبحانه به، ودلّت عليه العقول والفِطرُ والبراهينُ؛ فنفوه، وقالوا: إثباته يستلزم التجسيم والتشبيه، فلم يثبت لهم قدَم البتة فيما يثبتونه له سبحانه وينفونه عنه، وجاءوا إلى ما عُلم بالاضطرار، والفطر، والعقول، وجميع الكتب الإلهية، مِنْ تنزيه الله سبحانه عن كل نقص وعيب، فقالوا: ليس في أدلة العقل ما ينفيه، وإنما ننفيه بما ننفي به التشبيه.
وليس في الخذلان فوق هذا، بل إثباتُ هذه العيوب والنقائص يُضادّ كماله المقدَّس، وهو سبحانه موصوفٌ بما يُضادُّها ويناقضها من كل وجه، ونفيُها أظهر وأبينُ في العقول من نفي التشبيه، فلا يجوز أن يثبت له على وجه لا يشابه فيه خلقه.
والمقصود أنه لم يكن في الأمم مَنْ مَثّله بخلقه، وجعل المخلوق أصلًا ثم شَبّهه به، وإنما كان التمثيلُ والتشبيهُ في الأمم، حيث شبَّهوا أوثانهم