فيُجِيبه سبحانه أولياؤهم من الإنس بقولهم:{رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ}، يَعْنُونُ: استمتاع كل نوعٍ بالنّوْع الآخر.
فاستمتاع الجن بالإنس: طاعَتُهم لهم فيما يأمرونهم من الكفر، والفسوق، والعصيان، فإن هذا أكبرُ أغراض الجنّ من الإنس، فإذا أطاعوهم فيه فقد أعطَوْهُم مُناهُمْ.
واستمتاع الإنس بالجنّ: أنهم أعانوهم على معصية الله تعالى، والشرك به بكل ما يقدرون عليه من التحسين، والتزيين، والدعاء، وقضاء كثير من حوائجهم، واستخدامهم بالسحر والعزائم، وغيرها [١٤٦ أ]، فأطاعَهُم الإنسُ فيما يُرضيهم من الشّرك، والفواحش، والفجور، فأطاعتهُم الجن فيما يُرضيهم من التأثيرات، والإخبار ببعض المغَيَّبات.
فتمتع كلٌّ من الفريقين بالآخر.
وهذه الآية منطبقةٌ على أصحاب الأحوال الشيطانية، الذين لهم كُشوفٌ شيطانية وتأثيرٌ شيطاني، فيحسبهم الجاهلُ أولياء الرحمن، وإنما هُم من أولياء الشيطان، أطاعوه في الإشراك، ومعصية الله، والخروج عمّا بعث به رسله، وأنزل به كتبه، فأطاعهم في أن خدمهم بإخبارهم بكثير من المغيبات والتأثيرات.
واغترّ بهم مَنْ قلّ حَظّه من العلم والإيمان، فوالَى أعداء الله، وعادى أولياءه، وحَسّنَ الظنّ بمن خرج عن سبيله وسنته، وأساء الظن بمن اتبع سُنة الرسول وما جاء به، ولم يَدَعْها لأقوال المختلفين، وآراء المتحيرين، وشَطَحات المارقين، وتُرّهات المتصوفين.