بخلاف الحِسّ، ويعتمد على هذا الظن إذا أُديل عليه عدوٌّ من جنس الكفار والمنافقين أو الفجرة الظالمين، وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى، فيرَى أن صاحب الباطل قد علا [١٣٢ أ] على صاحب الحق، فيقول: أنا على الحقّ، وأنا مغلوبٌ، فصاحب الحقّ في هذه الدنيا مغلوبٌ مقهورٌ، والدَّوْلة فيها للباطل.
فإذا ذُكّر بما وَعَده الله تعالى من حُسْنِ العاقبة للمتقين والمؤمنين قال: هذا في الآخرة فقط!
وإذا قيل له: كيف يفعل الله تعالى هذا بأوليائه وأحبّائه وأهل الحق؟
فإن كان ممن لا يُعَلِّلُ أفعال الله تعالى بالحِكَم والمصالح قال: يفعلُ الله في مُلكه ما يشاء، ويحكم ما يريد:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء: ٢٣].
وإن كان ممن يُعَلِّل الأفعال قال: فعلَ بهم هذا ليُعَرِّضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة وعلُوّ الدرجات، وتَوْفيةِ الأجر بغير حساب.
ولكل أحدٍ مع نفسه في هذا المقام مُباحثاتٌ وإيراداتٌ وإشكالات وأجوبة، بحسب حاصله وبضاعته من المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاتِه وحكمته والجهل بذلك، فالقلوب تَغْلِي بما فيها، كالقدور إذا استجمعَتْ غَلَيانًا.
فلقد بَلغنَا وشاهَدْنَا من كثير من هؤلاء من التظلُّم لِلرَّبِّ تعالى، واتّهامه ما لا يَصْدُرُ إلا من عَدُوٍّ، فكان الجَهْمُ يخرج بأصحابه، فيقِفُهم على الجَذْمَى وأهل البلاء، ويقول: انظروا، أرْحَمُ الراحمين يفعلُ مثل هذا؟ إنكارًا لرحمته، كما أنكر حِكمته. فليس الله عند جهمٍ وأتباعه حَكيمًا ولا رحيمًا.