للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها، فكيف يأمر بملازمتها والعكوف عندها، وأن يُعتاد قصدُها وانتيابها، ولا تُجعل كالعيد الذي يجيء من الحَوْل إلى الحول؟ وكيف يسأل ربَّه سبحانه [٥٥ أ] أن لا يجعل قبره وثنًا يعبد؟ وكيف يقول أعلم الخلق بذلك: ولولا ذلك لأُبرز قبرُه، ولكن خُشي أن يُتخذ مسجدًا؟ وكيف يقول: «لا تجعلوا قبري عيدًا، وصلُّوا عليّ حيثما كنتم»؟ وكيف لم يفهم أصحابه وأهل بيته من ذلك ما فهمه هؤلاء الضُّلال، الذين جمعوا بين الشرك والتحريف؟

وهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهما نهى ذلك الرجلَ أن يتحرّى الدعاء عند قبره - صلى الله عليه وسلم -، واستدل بالحديث، وهو الذي رواه وسمعه من أبيه الحسين، عن جده علي رضي الله عنه، وهو أعلم بمعناه من هؤلاء الضلال.

وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن (١) شيخُ أهل بيته، كَرِه أن يقصد الرجلُ القبرَ إذا لم يكن يريد المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدًا.

قال شيخنا (٢): فانظر هذه السنّة، كيف مخرجُها من أهل المدينة وأهل البيت، الذين لهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُربُ النسب، وقرب الدار! لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، وكانوا له أضبط.

فصل

ثم إن في اتخاذ القبور أعيادًا من المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله ما يغضبُ لأجله كلُّ مَنْ في قلبه وقارٌ لله، وغَيْرة على التوحيد، وتهجين


(١) ح: «الحسن بن الحسين».
(٢) في اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ١٧٦).