بقوله:«وصلوا عليّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم»، يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام؛ يحصل مع قربكم من قبري وبُعدكم، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا.
وقد حرّف هذه الأحاديث بعضُ من أخذ شبهًا من النصارى بالشرك، وشبهًا من اليهود بالتحريف، فقال: هذا أمرٌ بملازمة قبره، والعُكوف عنده، واعتياد قصده وانتيابه، ونهي أن يُجعل كالعيد الذي إنما يكون في العام مرةً أو مرتين، فكأنه قال: لا تجعلوه بمنزلة العيد الذي يكون من الحوْل إلى الحول، واقصدوه كلّ ساعة وكلّ وقت!
وهذا مراغمة ومحادّة لله، ومناقضة لما قصده الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقَلْبٌ للحقائق، ونسبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى التدليس والتلبيس بعد التناقض، فقاتل الله أهلَ الباطل أنّى يُؤفكون!
ولا ريب أن مَنْ أمَرَ الناسَ باعتياد أمرٍ وملازمته وكثرة انتيابه بقوله:«لا تجعلوا عيدًا»؛ فهو إلى التلبيس وضدِّ البيان أقربُ منه إلى الدلالة والبيان، فإن لم يكن هذا تنقيصًا فليس للتنقيص حقيقة فينا، كمن يرمي أنصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحزبه بدائِه ومُصابه ويَنْسَلُّ كأنه بريء.
ولا ريب أن ارتكاب كل كبيرة بعد الشرك أسهل إثمًا، وأخف عقوبةً من تعاطي مثل ذلك في دينه وسنته، وهكذا غُيّرت دياناتُ الرسل عليهم السلام، ولولا أن الله أقام لدينه الأنصارَ والأعوان الذابّين عنه لجَرى عليه ما جرى على الأديان قبله.
ولو أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قاله هؤلاء الضُّلّال لم يَنْه عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ويلعنْ فاعلَ ذلك؛ فإنه إذا لعن من اتخذها مساجد يُعبدُ الله