فأخبر سبحانه أن القرآن بصائر لجميع الناس، والبصائر: جمع بَصيرة، وهى فعيلة بمعنى مُفْعِلَة، أي: مُبصِرة لمن يبصر، ومنه قوله تعالى:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}[الإسراء: ٥٩]، أي: مُبَيّنةً مُوجِبة للتّبصُّر.
فـ {مُبْصِرَةً} في الآية، بمعنى: مُرِيَة، لا بمعنى: رائية، والذين ظنُّوها بمعنى: رائية غلطوا في الآية، وتحيَّروا في معناها.
فإنه يقال: بَصُرَ به، وأبصره، فيُعَدّى بالباء تارة والهمزة تارة، ثم يقال: أبصرتُه كذا، أي: أريته إياه، كما يقال: بَصَّرته به، وبَصُر هو به.
فهنا بَصيرة، وتَبْصرة، ومُبصرة، فالبَصيرة: المبينة التي تُبْصر، والتبصرةُ: مصدرٌ مثلُ التذكرة، وسُمّي بها ما يُوجب التبصرة، فيقال: هذه الآية تَبصرةٌ، لكونها آلة التبصُّرِ ومُوجبه.
فالقرآن بصيرةٌ وتَبصرة، وهُدًى وشفاءٌ ورحمةٌ، بمعنى عام وبمعنى خاصٍّ، ولهذا يَذكر الله سبحانه هذا وهذا، فهو هدًى للعالمين، وهُدًى للمتقين، وشفاءٌ للعالمين، وشفاءٌ للمؤمنين، وموعظةٌ للعالمين، وموعظةٌ للمتقين، فهو في نفسه هُدًى ورحمةٌ، وشِفَاءٌ وموعظةٌ.
فمن اهتدَى به واتّعظ واشتفى كان بمنزلة مَن استعمل الدوّاء الذي يَحْصُل به الشفاء، فهو دواءٌ بالفعل. وإن لم يستعمله فهو دواء له بالقوة.