رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ حُنَين، ونحن حَديثُو عَهدٍ بكفر، وللمشركين سِدْرَةٌ، يَعْكُفون حولها ويَنُوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذاتُ أنواطٍ، فمررنا بسِدْرةٍ، فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذاتَ أنواطٍ، كما لهم ذاتُ أنواط، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[الأعراف: ١٣٨]! لتركبنَّ سَنَنَ من كان قبلكم».
فإذا كان اتخاذُ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف حولها اتخاذَ إله مع الله، مع أنهم لا يعبدونها، ولا يسألونها؛ فما الظن بالعكوف حول القبر، والدعاء به [٥٨ ب] ودعائه، والدعاء عنده؟ فأيّ نِسبَةٍ للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر؟ لو كان أهل الشرك والبدعة يعلمون!
قال بعض أهل العلم من أصحاب مالك (١): فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سِدْرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويَرجُون البُرءَ والشفاء من قِبَلها، ويَضْربُون بها المسامير والخِرَق؛ فهي ذاتُ أنواط، فاقطعوها.
ومن له خِبرة بما بعث الله به رسوله، وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره، عَلِمَ أن بين السلف وبين هؤلاء الخُلوف من البُعْد أبعد ما بين المشرق والمغرب، وأنهم على شيء والسلف على شيء، كما قيل:
(١) هو الطرطوشي، انظر كلامه في الحوادث والبدع (ص ١٠٥) ط. عبد المجيد تركي.