للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن تدبَّر هذا الفصل حَقّ التدبر تبيَّن له كيف وقعت الفتنة في الأرض بعبادة الأصنام، وتبيّن له سرُّ القرآن في الإنكار على هؤلاء المشبهة الممثلة، ولاسيَّما إذا جمعوا إلى هذا التشبيه تعطيلَ الصفات والأفعال، كما هو الغالب عليهم، فيجمعون بين تعطيل الرب سبحانه عن صفات كماله، وتشبيه خلقه به.

فصل

ومن كيده وتلاعبه: ما تلاعب بعبّاد النار، حتى اتخذوها آلهةً معبودةً.

وقد قيل: إن هذا كان من عهد قابيل، كما ذكر أبو جعفر محمد بن جرير (١): أنه لما قتلَ قابيلُ هابيلَ وهرب من أبيه آدم عليه السلام، أتاه إبليس، فقال له: إن هابيل إنما قُبل قُرْبانه وأكلته النار، لأنه كان يخدُمها ويعبدها، فانصِبْ أنت أيضًا نارًا تكون لك ولعَقِبك، فبنى بيت نار، فهو أوّلُ من نصب النار وعبدها.

وسرى هذا المذهب في المجوس، فبنوا لها بيوتًا كثيرة، واتخذوا لها الوقوف والسدنة والحُجّاب، فلا يدعونها تَخْمُدُ لحظةً واحدة، فاتخذ لها أفريدون بيتًا بطوس، وآخر ببخارى، واتخذ لها بهمنُ بيتًا بسجستان، واتخذ لها أبو قباذ بيتًا بناحية بُخارى، واتُّخذت لها بيوت كثيرة.


(١) في تاريخه (١/ ١٦٥). ويعارضه قول ابن عباس: «كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام». أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٤٤٢، ٥٤٦). قال ابن كثير في البداية والنهاية (١/ ٢٣٨): «هذا يردُّ قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب أن قابيل وبنيه عبدوا النار، والله أعلم».