معشوقه، ويُقدّم مصالح معشوقه وحوائجَهُ على طاعةِ ربِّه، فإنْ فَضَلَ من وقته فضلةٌ وكان عنده قليل من الإيمان، صرف تلك الفضلة في طاعة ربه، وإن استغرق الزمانَ حوائج معشوقه ومَصالحه صرفَ زمانه كلَّه فيها، وأهمل أمرَ الله تعالى، يَجُود لمعشوقه بكلّ نفيسة ونفيس، ويجعل لربِّه من ماله إن جعل له كلّ رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لُبّه وقلبه، وهَمّه ووقته، وخالصُ ماله، وربّه على الفَضْلة، قد اتخذهُ وراءه ظهريًا، وصار لذكره نَسِيًّا، إن قام في خِدمته في الصلاة، فلسانه يُناجيه وقلبُه يناجي معشوقه، ووجْهُ بَدَنه إلى القبلة ووجْهُ قلبه إلى المعشوق، ينقُر خدمة رَبّه حتى كأنه واقفٌ في الصلاة على الجمر، من ثِقلها عليه وتكلُّفه لفعلها، فإن جاءت خِدْمَة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبَدَنه فَرِحًا بها، ناصحًا له فيها، خفيفةً على قلبه، لا يَسْتثقلها ولا يَسْتطيلُها.
ولا رَيبَ أن هؤلاء من الذين اتخذوا من دون الله أندادًا، يُحبُّونهم كحِّبُ الله، والذين آمنوا أشدّ حبًّا لله.
وعِشْقُهم يَجمعُ المحرمات الأربع: من الفواحش الظاهرة والباطنة، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم يُنزّل به سلطانًا، والقول على الله ما لا يعلمون، فإن هذا من لوازم الشرك، فكل مشرك يقولُ على الله ما لا يعلمُ، فكثيرًا ما يوجد في هذا العشق من الشرك الأكبر والأصغر، من قتلِ النفوس تغايرًا على المعشوق، وأخذِ أموال الناس بالباطل ليصرفها في رضا المعشوق، ومن الفاحشة والكذب والظلم، ما لا خفاء به.
وأصل ذلك كله من خُلُوّ القلب من محبّة الله تعالى والإخلاص له، والتشريك بينه وبين غيره في المحبة، ومن محبّة ما يحبّ لغير الله، فيقومُ ذلك بالقلب، ويعمل بموجبه بالجوارح، وهذا هو حقيقةُ اتباع الهوى.