يوافقهم عليها، فإن لم يوافقهم آذَوه وعذَّبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب من وجه آخر، فلا بد له من الناس ومخالطتهم، ولا ينفكُّ عن موافقتهم أو مخالفتهم، وفى الموافقة ألم وعذاب إذا كانت على باطل، وفى المخالفة ألم وعذاب إذا لم يُوافق أهواءهم واعتقاداتهم، ولا ريب أن ألم المخالفة لهم في باطلهم أسهلُ وأيسرُ من الألم المُرَتَّب على موافقتهم.
واعتبر هذا بمَنْ يطلبون منه الموافقة على ظلم، أو فاحشة، أو شهادة زُور، أو المعاونة على محرّم، فإن لم يوافقهم آذَوه وظلموه وعادَوْه، ولكن تكون له العاقبة والنصرة عليهم إن صبر واتقى، وإن وافقهم فرارًا من ألم المخالفة أعْقَبه ذلك من الألم أعظم مما فرّ منه، والغالبُ أنهم يُسلَّطون عليه، فيناله من الألم منهم أضعافُ ما ناله من اللذة أولًا بموافقتهم.
فمعرفة هذا ومُرَاعاتُه من أنفع ما للعبد، فألمٌ يسيرٌ يُعْقِبُ لذةً عظيمة دائمة أولى بالاحتمال من لذّة يسيرة تُعقِبُ ألمًا عظيمًا دائمًا، والتوفيق بيد الله.
الأصل الحادي عشر: أن البلاء الذي يُصيبُ العبدَ في الله لا يخرجُ عن أربعة أقسام: فإنه إما أن يكون في نفسه، أو في ماله، أو في عِرْضه، أو في أهله ومَنْ يُحِب، والذي في نفسه قد يكون بتَلَفِها تارةً، وبتألُّمها بدون التلف. فهذا مجموع ما يُبتلى به العبد في الله.
وأشدّ هذه الأقسام: المصيبةُ في النفس. ومن المعلوم أن الخلق كلّهم يموتون، وغاية هذا المؤمن أن يُسْتَشْهَدَ في الله، وتلك أشرفُ الموتات وأسهلُها، فإنه لا يجد الشهيد من الألم إلا مثل ألم القَرْصة، فليس في قتل الشهيد مصيبة زائدة على ما هو مُعتادٌ لبني آدم.