وأراد أحدهما إدخاله في هذا اللفظ، لم يمكنه ذلك، حتى يُثبتَ أنه بيع صحيح، ومتى أثبت أنه بيع صحيح لم يَحْتَجْ إلى الاستدلال بهذا الحديث.
فتبيَّن أنه لا حُجة فيه على صورة من صور النزاع البتة.
قلت: ونظير ذلك أن يحتج به محتجٌّ على جواز بيع الغائب، أو على البيع بشرط الخيار أكثر من ثلاث، أو على البيع بشرط البراءة، وغير ذلك من أنواع البيوع المختلف فيها، ويقول: الشارع قد أطلق الإذن في البيع، ولم يقيِّده.
وحقيقة الأمر أن يقال: إن الأمر المطلق بالبيع إنما يقتضي البيع الصحيح، ونحن لا نسلّم له أن هذه الصورة التي تواطآ فيها على ذلك بيع صحيح.
الوجه الثاني: أن الحديث ليس فيه عموم؛ لأنه قال:«وابتع بالدراهم جَنيبًا»، والأمر بالحقيقة المطلقة ليس أمرًا بشيء من قيودها؛ لأن الحقيقة مشتركة بين الأفراد، والقدر المشترك ليس هو ما يميِّز كل واحد من الأفراد عن الآخر، ولا هو مستلزمًا له، فلا يكون الأمر بالمشترك أمرًا بالمميز بحال.
نعم هو مستلزم لبعض تلك القيود لا بعينه، فيكون عامًّا لها على سبيل البدلِ، لكن ذلك لا يقتضي العموم بالأفراد على سبيل الجمع، وهو المطلوب.
فقوله: بعْ هذا الثوب، لا يقتضي الأمر ببيعه من زيد أو عمرو، ولا بكذا وكذا، ولا بهذه السوق أو هذه؛ فإن اللفظ لا دلالة له على شيء من ذلك، لكن إذا أتى بالمسمى حصل ممتثلًا من جهة وجود تلك الحقيقة، لا من جهة وجود تلك القيود.