للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فإذا قال: إن مِتُّ فأنت في حِلّ مما لي عليك، فإن علّقَ ذلك بموت نفسه صحّ؛ لأنه وصية.

وإن علّقه بموت مَنْ عليه الدين لم يصحّ؛ لأنه تعليق للبراءة بالشرط، ولا يصح، كما لا يصح تعليقُ الهبة.

فيقال أولًا: الحكم في الأصل غير ثابتٍ بالنصّ، ولا بالإجماع، فما الدليلُ على بُطلان تعليق الهبة بالشرط؟ وقد صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علّق الهبةَ بالشرط في حديث جابرٍ (١)،قال: «لَوْ قَدْ جاءَ مالُ البَحْرين لأعطيتُك هكذا، ثم هكذا، ثم هكذا» ثلاث حَثَيات، وأنجز له الصديق رضي الله عنه لمّا جاء مالُ البحرين بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فإن قيل: كان ذلك وعدًا.

قلنا: نعم، والهِبَة المعلّقة بالشرط وعدٌ، وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث إلى النجاشي بهدية من مَسَك، وقال لأمّ سلمة: «إني قد أهديتُ إلى النجاشي حُلّة وأواقِيّ من مَسَك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة، فإن رُدّتْ عليّ فهي لك»، وذكر الحديث. رواه أحمد (٢).


(١) أخرجه البخاري (٣١٦٤)، ومسلم (٢٣١٤).
(٢) مسند أحمد (٦/ ٤٠٤) من حديث أمّ كلثوم، ورواه أيضًا ابن سعد في الطبقات (٨/ ٩٥)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٣٤٥٩)، وابن المنذر في الأوسط (٨٩٥)، والطحاوي في شرح المشكل (٣٢٣)، والطبراني في الكبير (٢٥/ ٨١)، والبيهقي في الكبرى (٦/ ٢٦)، وغيرهم، وفي إسناده اختلاف، وصححه الحاكم (٢٧٦٦)، فتعقبه الذهبي بقوله: «منكر، ومسلم الزنجي ضعيف»، وصححه ابن حبان (٥١١٤) من حديث أم كلثوم عن أم سلمة، قال الهيثمي في المجمع (٤/ ٢٦٢): «فيه مسلم بن خالد الزنجي، وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة، وأم موسى بن عقبة لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح»، وحسّن إسناده ابن حجر في الفتح (٥/ ٢٢٢)، وضعفه الألباني في الإرواء (١٦٢٠).