فلما رأى أصحابُ القراءة الأخرى ذلك فَرُّوا إلى بناء الفعل للمفعول، وقالوا: الجوابُ يصحّ على ذلك ويُطابقُ، إذ المعنى: ليس يصلحُ لنا أن نُعْبَد ونُتَّخذ آلهةً، فكيف نأمرُهم بما لا يَصْلُح لنا، ولا يحسُنُ منّا؟
ولكن لزم هؤلاء من الإشكال أمرٌ آخر، وهو قوله:«مِنْ أَوْلِيَاءَ»، فإن زيادة «مِنْ» لا يحسن إلا مع قَصْدِ العموم، كما تقول: ما قام من رجل، وما ضربتُ من رجل، فأما إذا كان النفيُ واردًا على شيء مخصوصٍ فإنه لا يحسن زيادةُ «من» فيه، وهم إنما نَفَوْا عن أنفسهم ما نُسب إليهم من دعوى المشركين: أنهم أمروهم بالشرك، فنفَوا عن أنفسهم ذلك بأنّه لا يحْسُنُ منهم ولا يليق بهم أن يُعبدوا، فكيف ندعو عبادك إلى أن يعبدونا؟ فكان الواجب على هذا أن تُقرأ:«مَا كانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِكَ» أو: «مِنْ دُونِكَ أَوْلِيَاءَ».
فأجاب أصحاب القراءة الأولى بوجوه:
أحدها: أن المعنى: ما كان ينبغي لنا أن نَعْبُدَ غيرك، ونتخذ غيرك وليًّا ومعبودًا، فكيف ندعو أحدًا إلى عبادتنا؟ إذ كُنّا نحنُ لا نعبُدُ غيركَ، فكيف ندعو أحدًا إلى أن يعبدَنا؟ والمعنى: أنهم إذا كانوا لا يروْن لأنفسهم عبادة غير الله تعالى، فكيف يدعُون غيرهم إلى عبادتهم؟
هذا جواب الفراء (١).
وقال الجُرجاني: هذا [١٤٧ أ] بالتدريج يصيرُ جوابًا للسؤال الظاهر، وهو أن مَنْ عبد شيئًا فقد تولّاه، وإذا تولّاه العابدُ صار المعبود وليًّا للعابد، يدُلّ