فالحيلة في صلحها عن الدَّين أيضًا: أن يُعَجّل لها حِصَّتها من الدَّين، يُقِرضها الورثة ذلك، وتُوكّلهم باقتضائه، ثم تُصالحهم من الأعيان على ما اتفقوا عليه؛ لأنهم إذا أقرضوها حِصّتها (١) من الدَّين، ثم وَكّلَتهم بقبض حِصّتها من الدَّين، فإذا قبضوا حِصّتها من الدين فقد حصل في أيديهم من مالها من جنس ما لهم عليها فيتقاصّان، ويكون عقدُ الصلح قد وقع عن العروض والمتاع خاصة.
فإن لم تَطِبْ أنفسهم أن يُقرضوها قَدْرَ حِصّتها من الدَّين، وأحبت تعجيل الصلح، صالحتهم من حقها من المتاع والعُروض، دون الديون، وكلما قُبض من الدين شيءٌ أخذت حقها منه، فإن تعسّر ذلك، وشقّ عليها، وأحبّت الخلاص، حابَوها في الصلح من الأعيان بأكثر من حقها منها، وأقرت أن الدّين حقّ للورثة دونها، من ثمن متاعٍ باعه الميت لهم.
فإن أرادوا قسمة الدين في الذمم فالمشهور: أنه لا يصح؛ لأن الذّمم لا تتكافأ.
وفيه رواية أخرى: تجوز قسمته، وهي الصحيحة، فإنه قد تكون مصلحة الورثة والغرماء في ذلك، وتفاوُتُ الذمم لا يمنعُ القسمة؛ فإن التفاوت في المحل، والمقسومُ واحد مُتماثلٌ، وإن اختلفت محالُّه.
وإذا كان الغرماء كلهم مُوسِرين أو مُعْسِرين، أو بعضهم موسرًا، وبعضهم معسرًا، فأخذ كلٌّ من الورثة موسرًا ومعسرًا، كان هذا عَدْلًا غير ممتنع، وقد تراضوْا به، ولا وجه لبطلانه، وبالله التوفيق.