وهؤلاء قوم عَطّلوا المصنوعات عن صانعها، وقالوا ما حكاهُ الله سبحانه عنهم:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٤].
وهؤلاء فرقتان:
فرقة قالت: إن الخالق سبحانه لمَّا خلق الأفلاك مُتَحرّكةً أعظم حركةٍ، دارت عليه فأحْرَقتْهُ، ولم يقدر على ضبطها وإمساك حركاتها.
وفرقة قالت: إن الأشياء ليس لها أول البتة، وإنما تخرج من القوة إلى الفعل، فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل تكوَّنت الأشياء مركباتها وبسائطها من ذاتها، لا من شيء آخر.
وقالوا: إن العالم دائم لم يَزل ولا يزالُ، لا يتغيَّر، ولا يضمحلُّ، ولا يجوز أن يكون المُبْدع يفعل فعلًا يبطلُ ويضمحلّ إلا وهو يبطلُ ويضمحلّ مع فعله، وهذا العالم هو الممسك لهذه الأجزاء التي فيه.
وهؤلاء هم المعطلة حقًا، وهم فحول المعطلة، وقد سَرى هذا التعطيل إلى سائر فرق المعطلة، على اختلاف آرائهم وتباينهم في التعطيل، كما سرى داءُ الشرك تأصيلًا وتفصيلًا في سائر فرق المشركين على اختلاف مذاهبهم فيه، وكما سرى جَحْدُ النبوات تأصيلًا وتفصيلًا في سائر مَنْ جحد النبوة أو صفة من صفاتها، وأقرّ بها جملة وجحد مقصودها وزُبدتها أو بعضه.