للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرحم حتى تجعله الواسطة يرحم، أو لا يكفي وحدَه، أو لا يفعل ما يريد بالعبد (١) حتى يشفع عنده الواسطة، كما يشفع المخلوق عند المخلوق، فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع وانتفاعه به، وتكثُّرِه به من القِلّة، وتعزُّزِه به من الذّلة، أو لا يجيب دعاء عباده، حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه، كما هو حال ملوك الدنيا، وهذا أصل شرك الخلق، أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم، حتى ترفع الوسائط إليه ذلك، أو يظن أن للمخلوق عليه حقًا؛ فهو يُقْسِم عليه بحق ذلك المخلوق عليه، ويتوسل إليه بذلك المخلوق، كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يَعِزُّ عليهم ولا يمكنهم مخالفته.

وكل هذا تنقُّصٌ للربوبية، وهَضْمٌ لحقها، ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله وخوفِه ورجائه والتوكلِ عليه والإنابةِ إليه من قلب المشرك؛ بسبب قسمة ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به، فينقص ويضعف أو يضمحلُّ ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء؛ بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عَبَده من دونه.

فالشرك ملزومٌ لتنقُّص الرب سبحانه، والتنقص لازم له ضرورةً، شاء المشرك أم أبى، ولهذا اقتضى حمدُه سبحانه وكمالُ ربوبيته ألا يغفره، وأن يُخلِّد صاحبَه في العذاب الأليم، ويجعله أشقى البرية، فلا تجد مشركًا قط إلا وهو متنقص لله سبحانه، وإن زعم أنه يُعظِّمه (٢) بذلك، كما أنك لا تجد مبتدعًا إلا وهو متنقص للرسول، وإن زعم أنه معظِّم له بتلك البدعة؛ فإنه


(١) م، ث، ظ: «العبد»، والمثبت من ح.
(٢) في م: «معظِّم له».