للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

فإذا عُرف أن كل حركة أصلها الحب والإرادة، فلا بد من محبوب مراد لنفسه، لا يُطلب ويُحَبُّ لغيره، إذ لو كان كل محبوب يُحَبُّ لغيره لزم الدور أو التسلسل في العلل والغايات، وهو باطل باتفاق العقلاء.

والشيء قد يُحَبُّ من وجه دون وجه، وليس شيءٌ يُحَبُّ لذاته من كل وجه إلا الله عز وجل وحده، الذي لا تصلح الألوهية إلّا له، فلو كان في السماوات والأرض آلهة إلا الله فسدتا.

والإلهية التي دعت الرسلُ أُمَمَهم إلى توحيد الرَّبِّ بها: هي العبادة والتألُّه.

ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذي أقَرّ به المشركون، فاحتجَّ الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرارُ بتوحيد الإلهية.

فصل

وكل حيٍّ فله إرادة وعمل بحسبه، وكل متحرك فله غاية يتحرك إليها، ولا صلاح له إلا أن تكون غاية حركته ونهاية مطلبه هو الله وحده، كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربَّه وخالقه، فوجوده بالله وحده، وكماله أن يكون لله وحده، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم، ولهذا قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢]، ولم يقل: لعُدمتا، إذ هو سبحانه قادر على أن يبقيهما على وجه الفساد، لكن لا يمكن أن تكونا صالحتين إلا بأن يكون فاطرُهما وخالقُهما هو المعبودَ وحده لا شريك له، فإن صلاح الأعمال والحركات بصلاح نيَّاتها ومقاصدها، فكلُّ عمل فهو تابع لنيَّة عامله وقصده وإرادته.