للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأجابهم الآخرون بأن المرَّتين والمرَّات يراد بها الأفعال تارة، والأعيان تارة، وأكثر ما تستعمل في الأفعال، وأما الأعيان فكقوله في الحديث: «انشقَّ القمرُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين» (١)، أي: شِقّتين وفِلقتين. ولمَّا خفي هذا على من لم يُحِطْ به علمًا زعم أن الانشقاق وقع مرة بعد مرة في زمانين، وهذا مما يعلم أهل الحديث ومن له خِبرة بأحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته أنه غلط، وأنه لم يقع الانشقاق إلا مرة واحدة، ولكن هذا وأمثاله فهموا من قوله «مرتين» المرة الزمانية.

إذا عُرف هذا فقوله: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: ٣١]، وقوله: {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: ٥٤] أي: ضعفين؛ فيؤتون أجرهم مضاعفًا، وهذا يمكن اجتماع المرتين منه في زمان واحد.

وأما المرَّتان من الفعل فمحالٌ اجتماعهما في زمن واحد؛ فإنهما مِثلان، واجتماعُ المثلين محال، وهو نظير اجتماع حَرفين في آنٍ واحدٍ من متكلمٍ واحدٍ، وهذا مستحيل قطعًا، فيستحيل أن يكون مرّتا الطلاق في إيقاع واحد.

ولهذا جعل مالك وجمهور العلماء من رَمَى الجمار بسبع حصَيات جُملةً: أنه غير مُؤَدٍّ للواجب عليه، وإنما يُحسَب له رَمي حصاةٍ واحدة، فهي رميةٌ لا سبع رميات.

واتفقوا كلهم على أنه لو قال في اللعان: أشهد بالله أربع شهادات أني صادق، كانت شهادة واحدة.

وفى الحديث الصحيح: «من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مئة مرة


(١) أخرجه مسلم (٢٨٠٢) عن أنس.