فدعوا هذه التأويلات المستكرهة، التي كلما نظر فيها طالب العلم ازداد بصيرةً في المسألة، وقويَ جانبها عنده؛ فإنه يرى أن الحديث لا يُردُّ يمثل هذه الأشياء.
وقد سلك أبو عبد الرحمن النسائي في «سننه»(١) في الحديث مسلكًا آخر، فقال:«باب طلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة»، ثم ساقه، قال:«حدثنا أبو داود: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جُريج، عن ابن طاوس، عن أبيه: أن أبا الصهباء جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: يا ابن عباس! ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر تُردّ إلى الواحدة؟ قال: نعم».
وأنت إذا طابقت بين هذه الترجمة وبين لفظ الحديث: وجدتها لا تدلُّ عليها، ولا تُشعر بها بوجه من الوجوه، بل الترجمة لون، والحديث لون آخر، وكأنه لما أشكل عليه وجه الحديث حمله على ما إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، طَلُقَتْ واحدة.
ومعلومٌ أن هذا الحكم لم يزل ولا يزال كذلك، ولا يتقيد ذلك بزمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه، ثم يتغير في خلافة عمر رضي الله عنه، ويُمضي الثلاث بعد ذلك على المطلِّق، والحديث لا يندفع بمثل هذا البتّة.
وسلك آخرون في الحديث مسلكًا آخر، فقالوا: هذا حديث يخالف أصول الشرع، فلا يُلتفت إليه.