ومحمود بن لَبيد لم يذكر ما جرى بعد ذلك، من إمضاءٍ أو ردٍّ إلى واحدة.
والمقصود أن هذا القائل تناقضَ، وتأول الحديث تأويلًا يُعلم بطلانه من سياقه.
ومن بعض ألفاظه: أن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر يُرد إلى الواحدة، وهذا موافق للَّفظ الآخر: كان إذا طلق امرأته ثلاثًا جعلوها واحدةً، وجميع ألفاظه متفقة على هذا المعنى، يفسر بعضها بعضًا.
فجعل هذا وأمثالُه المُحْكَم مُتشابهًا، والواضح مُشْكِلًا!
وكيف يصنع بقوله: فلو أمضيناه عليه، فإن هذا يدل على أنه رأي من عمر رضي الله عنه رآه أن يُمضيه عليهم لتتايُعهم فيه، وشدِّهم على أنفسهم ما وسَّعه الله عليهم، وجمعهم ما فَرّقه، وتطليقهم على غير الوجه الذي شرعه، وتعدِّيهم حدوده.
ومن كمال علمه رضي الله عنه: أنه علم أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل المخرج إلا لمن اتقاه، وراعى حدوده، وهؤلاء لم يتَّقوه في الطلاق، ولم يراعوا حدوده، فلا يستحقون المخرج الذي ضمنه لمن اتقاه.
ولو كان الثلاث تقع ثلاثًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو دينه الذي بعثه الله تعالى به، لم يُضِف عمر رضي الله عنه إمضاءه إلى نفسه، ولا كان يصح هذا القول منه، وهو بمنزلة أن يقول في الزنى، وقتل النفس، وقذف المحصنات: لو حرّمناه عليهم، فحرَّمه عليهم، وبمنزلة أن يقول في وجوب الظهر والعصر، ووجوب صوم شهر رمضان، والغُسْلِ من الجنابة: فلو فرضناه عليهم، ففرضه عليهم.