للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولَعَمْرُ الله، لو سكت هذا كان خيرًا له وأستر؛ فإن هذا المسلك من أضعف ما قيل في الحديث، وسياقُه يبين بطلانه بيانًا ظاهرًا لا إشكال فيه، وكأن قائله أحبّ الترويج على قوم ضعفاء العلم، مُخلِدين إلى حَضيض التقليد، فروّج عليهم مثل هذا.

وهذا القائل كأنه لم يتأمل ألفاظ الحديث، ولم يُعْنَ بِطُرُقه؛ فقد ذكرنا من بعض ألفاظه قول أبي الصهباء لابن عباس: أما علمت أن الرجل كان إذا طلّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر رضي الله عنه، وصدرًا من إمارة عمر رضي الله عنه؟ فأقرّ ابن عباس بذلك، وقال: نعم.

وأيضًا فقول هذا المتأول: إنهم كانوا يُطلِّقون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة؛ فقد نقضه هو بعينه وأبطله، حيث احتجّ على وقوع الثلاث بحديث الملاعِن (١)، وحديث محمود بن لبيد: أن رجلًا طلق امرأته على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «أيُلعَبُ بكتاب الله، وأنا بين أظهُركُم؟» (٢)؛ ثم زاد هذا القائل في الحديث زيادة من عنده، فقال: «وأمضاه عليه، ولم يَرُدّه».

وهذه اللفظة موضوعة، لا تُروى في شيء من طرق هذا الحديث البَتّة، وليست في شيء من كتب الحديث، وإنما هي من كِيس هذا القائل، حمله عليها فَرْطُ التقليد.


(١) أخرجه البخاري (٤٢٣) ومسلم (١٤٩٢) عن سهل بن سعد.
(٢) تقدم تخريجه.