للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيشِذّ عنهم بروايته. فأما إذا روى الثقة حديثًا منفردًا به، لم يرو الثقات خلافه، فإن ذلك لا يسمى شاذًّا، وإن اصْطُلِحَ على تسميته شاذًّا بهذا المعنى لم يكن الاصطلاح موجِبًا لردِّه، ولا مُسَوِّغًا له.

قال الشافعي (١) رحمه الله: وليس الشاذ أن ينفرد الثقة برواية الحديث، بل الشاذ أن يروي خلاف ما رواه الثقات.

قاله في مناظرته لبعض من ردّ الحديث بتفرُّد الراوي به.

ثم إن هذا القول لا يمكن أحدًا من أهل العلم، ولا من الأئمة، ولا من أتباعهم طَردُه، ولو طردوه لبطل كثير من أقوالهم وفتاويهم.

والعجب أن الرّادِّين لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بَنوا كثيرًا من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة، انفرد بها رواتها، لا تعرف عن سواهم، وذلك أشهر وأكثر من أن نعدّهُ.

ولمَّا رأى بعضُهم ضعف هذه المسالك (٢)، وأنها لا تجدي شيئًا: استروح إلى تأويله، فقال: معنى الحديث أن الناس كانوا يطلِّقون على عهد رسول الله، وأبي بكر، وعمر واحدةً، ولا يوقعون الثلاث، فلما كان في أثناء خلافة عمر رضي الله عنه أوقعوا الثلاث، وأكثروا من ذلك، فأمضاه عليهم عمر رضي الله عنه كما أوقعوه، فقوله: كانت الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة؛ أي: في التطليق وإيقاع المطلِّقين، لا في حكم الشرع.

قال هذا القائل: وهذا من أقوى ما يُجاب به، وبه يزول كل إشكال.


(١) أخرجه عنه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص ١١٩).
(٢) م: «هذا المسلك».