الصحابة، وعَرَفه ابن عباس وحده؟ وخفي على أصحاب ابن عباس كلِّهم، وعلمه طاوس وحده؟
وهذا أفسد من جميع ما تقدم، ولا تُردّ أحاديث الصحابة وأحاديث الأئمة الثقات بمثل هذا فكم من حديثٍ تفرّد به واحد من الصحابة، لم يَرْوِه غيره، وقَبِلته الأمة كلهم، فلم يردَّه أحد منهم.
وكم من حديث تفرّد به من هو دون طاوس بكثير، ولم يردَّه أحد من الأئمة.
ولا نعلم أحدًا من أهل العلم قديمًا ولا حديثًا قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابي واحد لم يُقْبَل، وإنما يُحكى عن أهل البدع ومَنْ تَبعهم في ذلك أقوالٌ، لا يُعرف لها قائل من الفقهاء.
وقد تفرّد الزهرى بنحو ستين سُنّة، لم يروها غيره (١)، وعملت بها الأمة، ولم يردوها بتفرُّده.
هذا مع أن عكرمة روى عن ابن عباس رضي الله عنهما حديث رُكانة، وهو موافق لحديث طاوس عنه، فإن قَدَح في عكرمة أبطل وتناقض؛ فإن الناس احتجوا بعكرمة، وصحح أئمة الحفاظ حديثه، ولم يلتفتوا إلى قَدْح من قَدَحَ فيه.
فإن قيل: فهذا هو الحديث الشاذ، وأقل أحواله: أن يُتوقّفَ فيه، ولا يُجزم بصحته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قيل: ليس هذا هو الشاذ، وإنما الشذوذ: أن يخالف الثقاتِ فيما رووه،
(١) قاله مسلم في صحيحه (٣/ ١٢٦٨)، وفيه: «نحوٌ من تسعين حديثًا».