الجنة ولا تموتا؛ فتكونان مثل الملائكة الذين لا يموتون. ولم يكن آدم قد علم أنه يموت بعد، واشتهى الخلود في الجنة، وحصلت الشُّبهة من قول العدو وإقسامه بالله جهد أيمانه أنه ناصح لهما، فاجتمعت الشبهة والشهوة، وساعد القدر لما قد فرغ الله سبحانه مِن تقديره، فأخذتهما سِنةُ الغَفْلة، واستيقظ لهما العدو، كما قيل:
إلا أن هذا الجواب يَعترض عليه قولُهُ:{أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}.
فيقال: الماكر المخادع لابد أن يكون فيما يمكر به ويكيد من التناقض والباطل ما يدل على مكره وكيده، ولا حاجة بنا إلى تصحيح كلام عدوِّ الله، والاعتذار عنه، وإنما نعتذر عن الأب في كون ذلك رَاجَ عليه وولج سمعه، فهو لم يجزم لهما بأنهما إن أكلا منها صارا مَلَكين، وإنما ردّد الأمر بين أمرين: أحدهما ممتنع، والآخر ممكن، وهذا من أبلغ أنواع الكيد والمكر، ولهذا لما أطمعه في الأمر الممكن جزم له به ولم يُردِّده، فقال:{يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}، فلم يُدْخِل أداة الشك هاهنا كما أدخلها في قوله:{إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}، فتأمله.
ثم قال تعالى:{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، فتضمن هذا الخبر أنواعًا من التأكيد:
أحدهما: تأكيده بالقسم.
(١) البيت ضمن قصيدة لعبيد الله بن أسعد الموصلي في الروضتين (١:١/ ٣٢٠).