ثم قال في كتابه: وإنما مثال هذا مثال الملك يكتبُ إلى بعض عُمّاله كتابًا، فيأخذه العاملُ ويُقَبِّله ويضعهُ على عينيه، ويقومُ له، لا تعظيمًا للقِرطاس والمداد، بل تعظيمًا للملك، كذلك السجود للصور تعظيمٌ لاسم ذلك المصوّر، لا للأصباغ والألوان.
وبهذا المثال بعينه عُبِدَت الأصنام.
وما ذكره هذا المشركُ عن موسى وسليمان عليهما السلام لو صحَّ لم يكن فيه دليلٌ على السجود للصور، وغايتُه أن يكون بمثابة ما يُذكر عن داود: أنه نقش خطيئته في كفِّه لئلا ينساها، فأين هذا مما يفعله هؤلاء المشركون من التذَلّل، والخضوع، والسجود بين يدي تلك الصور؟
وإنما المثالُ المطابقُ لما يفعله هؤلاء المشركون: مثالُ خادمٍ من خُدّام الملك دخل على رَجُل قريب من مجلسه، وسجد له وعبده، وفعل به ما لا يصلح أن يُفعل إلا مع الملك، وكلّ عاقل يستجهله ويستحمقه في فعله إذ قد فعلَ مع عبد الملك ما كان ينبغي له أن يَخُصّ به الملك دون عبيده من الإكرام، والخضوع، والتذلل.
ومعلومٌ أن هذا إلى مَقْتِ الملك له، وسُقوطه من عينه أقربُ منه إلى إكرامه له، ورفع منزلته.
كذلك حالُ مَنْ سجد لمخلوق، أو لصورة مخلوق لأنه عَمَدَ إلى السجود الذي هو غايةُ ما يتوصل به العبدُ إلى رضا الربّ، ولا يصلح إلا له، ففعله لصورة عبد من عبيده، وسوّى بين الله وبين عبده في ذلك، وليس وراء هذا في القبح والظلم شيء. ولهذا قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣].