إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: ٦٢]؛ فإنه تسبب بذلك إلى رجوعهم، وقد ذكروا في ذلك معاني:
منها: أنه تخوّفَ أن لا يكون عندهم وَرِقٌ يرجعون بها.
ومنها: أنه خشي أن يَضُرَّ أخذُ الثمن بهم.
ومنها: أنه رأى لُؤمًا أخذ الثمن منهم.
ومنها: أنه أراهم كرمه في رَدّ البضاعة؛ ليكون أدعى لهم إلى العود.
وقد قيل: إنه علم أن أمانتهم تُحْوِجُهم إلى الرجعة [١١٤ ب] ليردُّوها إليه، فهذا المحتال به عمل صالح.
والمقصود رجوعهم ومجيء أخيه، وذلك أمرٌ فيه منفعة لهم ولأبيهم وله، وهو مقصود صالح، وإنما لم يُعَرّفهم نفسه لأسباب أُخر، فيها منفعة لهم ولأبيهم وله، وتمامٌ لما أراده الله تعالى بهم من الخير في هذا البلاء.
وأيضًا، فلو عرّفهم نفسه في أول مرة لم يقع الاجتماعُ بهم وبأبيه ذلك الموقع العظيم، ولم يَحُلّ ذلك المَحَلّ، وهذه عادة الله سبحانه في الغايات العظيمة الحميدة: إذا أراد أن يوصل عبدَه إليها هيأ لها أسبابًا من المحن والبلايا والمشاقّ، فيكون وصوله إلى تلك الغايات بعدَها كوصول أهل الجنة إليها بعد الموت، وأهوال البرْزَخ، والبعث والنشور والموقف، والحساب، والصراط، ومقاساة تلك الأهوال والشدائد.
وكما أدخل رسول - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ذلك المدخل العظيم، بعد أن أخرجه الكفارُ ذلك المخرج، ونصره ذلك النصر العزيز، بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه.