للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يُقنعهم هذا القول في ربّ السماوات والأرض، حتى اتفقوا بأسْرهم على أن اليهود أخذوه، وساقوه بينهم ذليلًا مقهورًا، وهو يحمل خشبته التي صلبوه عليها، واليهود يبصقون في وجهه، ويضربونه، ثم صلبوه وطعنوه بالحربة، حتى مات، وتركوه مصلوبًا، حتى التصق شعره بجلده، لما يبس دمه بحرارة الشمس، ثم دُفن، وأقام تحت التراب ثلاثة أيام، ثم قام بلاهُوتيّتِه من قبره. هذا قول جميعهم، ليس فيهم من ينكر منه شيئًا.

فيا للعقول! كيف كان حال هذا العالِم الأعلى والأسفل في هذه الأيام الثلاثة؟ ومَنْ كان يُدَبّر أمر السماوات و الأرض؟ ومن الذي خَلَفَ الرب سبحانه وتعالى في هذه المدة؟ ومَن كان الذي يُمسك السماء أن تقع على الأرض، وهو مَدْفون في قبره؟

ويا عجبًا! هل دُفنت الكلمةُ معه بعد أن قُتِلت وصُلبت؟ أم فارقته وخذلته أحوج ما كان إلى نَصْرها له، كما خذله أبوه وقومه؟

فإن كانت قد فارقته وتَجَرّد منها فليس هو حينئذٍ المسيح، وإنما هو كغيره من آحادِ الناس. وكيف يصحّ مُفارقتها له بعد أن اتَّحَدَتْ به، ومازَجَتْ لحمه ودمه؟ وأين ذهب الاتحادُ والامتزاج؟

وإن كانت لم تفارقه، وقُتلت وصُلبت، ودُفنت معه، فكيف وصل المخلوق إلى قتل الإله، وصَلبه ودفنه؟

ويا عجبًا! أيّ قبر يسع إله السماوات والأرض؟

هذا وهو {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: ٢٣].