وبعدُ، فسند هذه الحكاية من بين يهودي ونصراني، مع انقطاعها، وظهور الكذب فيها لمن له عقل من وجوه كثيرة.
ويكفي في كذبها وبيان اختلاقها: أن ذلك الصليب الذي شفى العليل، كان أولى أن لا يُمِيتَ الإله (١) الرب المحيي المميت.
ومنها: أنه إذا بقي تحت التراب خشب ثلاث مئة وثلاث وعشرين سنة، فإنه يَنْخَرُ ويَبْلَى لدون هذه المدة.
فإن قال عُبّاد الصليب: إنه لما مَسّ جسم المسيح حصل له الثبات والقوة والبقاء!
قيل لهم: فما بالُ الصليبينِ الباقيينِ لم يَتَفَتَّتَا واشتبها به؟
فلعلهم يقولون: لما مَسّت صليبه مسَّها البقاء والثبات.
وجهلُ القوم وحمقهم أعظم من ذلك، والرب سبحانه وتعالى لما تجلّى للجبل تَدَكْدَكَ الجبل، وساخ [١٦٢ ب] في الأرض، ولم يثبت لِتَجلِّيه، فكيف تثبت الخشبة لركوبه عليها في تلك الحال؟
ولقد صدق القائل: إن هذه الأمة عارٌ على بني آدم أن يكونوا منهم.
فإن كانت هذه الحكاية صحيحةً، فما أقربها من حيل اليهود التي تخلَّصوا بها من الحبس والهلاك!
وحيل بني آدم تصل إلى أكثر من ذلك بكثير، ولا سيما لمَّا علم اليهود أن ملكة دين النصرانية قاصدة إلى بيت المقدس، وأنها تعاقبهم حتى يَدُلُّوها