وقيل: إن الضمير يعود على فاعل {أَفْلَحَ}، وهو {مَنْ} سواءً كانت موصولة أو موصوفة؛ فإن الضمير لو عاد على الله سبحانه لقال: قد أفلح من زكاه، وقد خاب من دسّاه.
والأولون يقولون:{مَنْ} وإن كان لفظها مذكرًا، فإذا وقعت على مؤنث جاز إعادة الضمير عليها بلفظ المؤنث مراعاةً للمعنى، وبلفظ المذكر مراعاةً للفظ، وكلاهما من الكلام الفصيح، وقد وقع في القرآن اعتبار لفظها ومعناها، فالأول كقوله:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}[الأنعام: ٢٥]، فأفرد الضمير، والثاني كقوله:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}[يونس: ٤٢].
قال المرجِّحون للقول الأول: يدل على صحة قولنا ما رواه أهل «السنن»(١) من حديث ابن أبي مُليْكة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أتيت ليلة، فوجدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:«ربِّ! أعطِ نفسي تقواها، وزَكِّها أنت خير من زكّاها، أنت وليها ومولاها»؛ فهذا الدعاء كالتفسير لهذه الآية، وأن الله هو الذي يزكي النفوس، فتصير زاكية، فالله هو المزكِّي، والعبد هو
(١) هو في مسند أحمد (٦/ ٢٠٩) من طريق صالح بن سعيد عن عائشة أنها فقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول ... الدعاء. حسنه العراقي في تخريج الإحياء (١/ ٣٢٩)، وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ١٤٤): «رجاله رجال الصحيح، غير صالح بن سعيد الراوي عن عائشة، وهو ثقة»، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (٢/ ٩٨): «رجاله رجال الصحيح إلا صالح بن سعيد، فلم أجد له ذكرًا إلا في ثقات ابن حبان». وضعفه الألباني في تمام المنة (ص ٢٠٨)، وفي الباب عن زيد بن أرقم وابن عباس وأبي هريرة وعبد الرحمن بن أبي عمرة مرسلًا.