للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة (١) العبودية، فتصير العبودية صفة (٢) وذوقًا لا تكلفًا، فيأتي بها تودُّدًا وتحببًا وتقربًا، كما يأتي المحب المتيَّم في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله.

فكلما عَرَضَ له أمر من ربه أو نهْيٌ أحسَّ من قلبه ناطقًا ينطق لبّيْكَ وسَعْديْك، إني سامع مطيع ممتثل، ولك عليّ المِنّة في ذلك، والحمد فيه عائد إليك.

وإذا أصابه قَدَر وجد من قلبه ناطقًا يقول: أنا عبدك ومسكينك وفقيرك، وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف المسكين، وأنت ربي العزيز الرحيم، لا صبر لي إن لم تُصبِّرني، ولا قوة لي إن لم تَحمِلنْي وتُقَوِّني، لا ملجأ لي منك إلا إليك، ولا مستعان لي إلا بك، ولا انصرافَ لي عن بابك، ولا مذهب لي عنك.

فينطرح بمجموعه بين يديه، ويعتمد بكلِّيَّته عليه، فإن أصابه بما يكره قال: رحمةٌ أُهدِيَتْ إليّ، ودواء نافع من طبيب مشفق، وإن صُرِفَ عنه ما يحب قال: شرٌّ صُرف عني:

وَكَمْ رُمْتُ أَمْرًا خِرْتَ لِي في انْصِرافِهِ ... وَمَا زِلْتَ بي مِنِّي أَبَرَّ وَأَرْحَمَا (٣)

فكل ما مسّه به من السراء والضراء اهتدى بها طريقًا إليه، وانفتح له منه باب يدخل منه عليه، كما قيل (٤):


(١) م: «بصفة».
(٢) الأصل: «صبغة»، والمثبت من النسخ الأخرى.
(٣) البيت ضمن ثلاثة أبيات في ذيل مرآة الزمان (٤/ ١٦٩) لأبي الحسين النوري.
(٤) لم أقف على القائل.